الحق في النسب وفق مدونة الأسرة
من أهم الأحوال الشخصية شأنا النسب، وهو انتهاء الشخص إلى أصل معلوم، وهو رباطة سامية، وصلة عظيمة على جانب كبير من الخطورة، لذا لم يدعها الشارع الحكيم نهيا للعواطف والأهواء، تهبها لمن تشاء، وتمنعها من تشاء، بل تولاها بتشريعه، وأعطاها المزيد من غايته، ونظم النسب وأرسى قواعده، حفظا له من الفساد والاضطراب، وجعله من النعم التي امتن بها على عباده، يقول جل شأنه "وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا، وكان ربك قديرا".
كما جعل له سببا واضحا كريما يتفق وكرامة بني آدم، وهو الاتصال بالمرأة عن طريق الزواج وما ألحق به من ملك اليمين، ولم يتركه لأهواء الناس ورغباتهم يهبه الشخص لمن يجب منعه عمن لا يجب، فأبطل طرقه غير المشروعة التي كانت شائعة في الجاهلية من التبني ومن إلحاق الأولاد عن طريق الفاحشة وفي هذا يقول سبحانه "وما جعل لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم".
»ويرتبط النسب الحقيقي في الإسلام بالزواج الشرعي أو ملك اليمين وحرم الإسلام الزنا لما يجره من اختلاط في النسب وفساد في العلاقات الاجتماعية وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الولد لا ينسب لأبيه إلا في الزواج الصحيح وأنكر على الزاني حق الأبوة، قال صلى الله عليه وسلم "الولد للفراش وللعاهر الحجر".
وألزم الإسلام الآباء بضرورة اعترافهم بنسب أبنائهم إليهم وتوعد المنكرين لنسب أبنائهم بالعذاب الشديد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل جحد ولده وهو ينظر غليه احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الخلائق" «. »لأن في هذا الإنكار تعريضا للولد وأمه للذل والعار «.
»كما توعد الولد الذي ينسب إلى غير أبيه، فقال صلى الله عليه وسلم "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام. وقال عليه السلام "من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". بل إنه صلى الله عليه وسلم جعل ذلك كفرا حيث يقول: "ترغبوا عن ربائبكم، فمن رغب عن أبيه فهو كفر".
كذلك توعد الزوجة التي تنسب إلى زوجها ولدا ليس منه فقال صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة أدخلت على قوم منكم ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها جنته". من هنا حظيت مشكلة النسب بعناية فقهاء الشريعة الإسلامية وكانت معينا خصبا لاجتهادهم، فأرسوا الكثير من قواعدها وأسهموا بقدر كبير في بلورة الحلول المناسبة لها استنباطا من الكتاب والسنة «.
ومن ثم، لابد من الوقوف عند مفهوم النسب (الفقرة الأولى) ووسائل إثباته (الفقرة الثانية) ووسائل نفيه (الفقرة الثالثة) مع الإشارة إلى موقف الشريعة الإسلامية من تحريم ظاهرة التبني (الفقرة الرابعة).
الفقرة الأولى: مفهوم النسب
»النسب في اللغة يطلق على معان كثيرة أهمها، القرابة والتعلق والارتباط بين شيئين «، »فيقال بينهما نسب أي قرابة، وفلان يناسب فلانا فهو نسيبه أي قريبه. ونسبت الرجل ذكرت نسبه ونسبته أيضا بالكسر. وانتسب إلى أبيه أي اعترف. وتنسب أي ادعى انه نسيبك. والنسب واحد، وجمعه أنساب.
ويعرف النسب اصطلاحا بأنه القرابة بالرحم، وهي الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة والعمومة والخئولة. ونوع النسب الذي يعنينا فيما نحن بصدده هو البنوة أي نسبة الولد إلى أبيه وأمه «. يقصد به أيضا، »القرابة الناشئة عن صلة الدم بالتناسل « .
أما مدونة الأسرة فقد عرفت النسب من خلال المادة 150 على أنه "النسب لحمة شرعية بين الأب وولده تنتقل من السلف إلى الخلف".
عموما، حق النسب هو من أهم وألزم الحقوق للطفل، وهو حق تتفرع عليه حقوقا كثيرة في رعاية الطفل وتربيته وفي المال والميراث.
الفقرة الثانية: وسائل إثبات النسب
»تنص المادة 152 من مدونة الأسرة على ما يلي:
"أسباب لحوق النسب:
الفراش، 2- الإقرار، 3- الشبهة".
وتنص المادة 158 من نفس المدونة على أنه:
"يثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة عدلين، أو بينة السماع، وبكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا، بما في ذلك الخبرة الطبية".
وهكذا، فإن التوفيق بين هذين النصين يقتضي القول إن النسب يثبت بالفراش وبالإقرار وبالشبهة وبالشهادة بنوعيها وبالخبرة الطبية «، وذلك ما سوف نوضحه، من خلال الحديث عن الفراش باعتباره أهم الوسائل لإثبات النسب (أولا) ثم الشبهة (ثانيا) والإقرار (ثالثا)، وشهادة عدلين وبينة الشهود (رابعا) وأخيرا إثباته عن طريق الخبرة القضائية (خامسا) التي تجسد أهم التقنيات العلمية لإثبات النسب ونفيه معا.
أولا: الفراش
من المفهوم أن الولد يثبت نسبه لأمه بولادته، ولا يمكن نفيه بعد ذلك، ويثبت نسبه لأبيه إذا ولد على الفراش الصحيح أو ما يلحق به.
»ويقصد الفقهاء بالفراش هنا، أنه قيام الزوجية الصحيحة قائمة بينهما، وكان هذا الرجل أهلا للولادة وأهلا لأن ينسب له هذا الحمل، فإن المولود من ذلك الرجل عملا بقوله صلى الله عليه وسلم "الولد للفراش، وللعاهر الحجر" .وهكذا الحديث الشريف عبارة عن قضاء نبوي، وهو يعتبر أصلا شرعيا في ثبوت النسب بواسطة الفراش، أي عقد الزواج المبرم بين الطرفين «.
»وقد أجمع فقهاء الشريعة الإسلامية – في كل العصور- على أن النسب يثبت بالفراش، كما أجمعوا على أن الفراش يثبت الزواج، وقد قنن المشرع المغربي هذه القاعدة في أكثر من نص تشريعي، في مقدمتها مقتضيات المواد 152 و 153 و 154 من مدونة الأسرة «.
وعليه، »فإن القاعدة العامة في ثبوت النسب أن "الولد للفراش" وهي نص نبوي ثابت كما ذكرنا سابقا، ومعناه انه متى كان بين الرجل وامرأة فراش مشروع- أي حل استمتاع- فالأصل فيه أن الولد الذي تأتي به تلك المرأة يضاف نسبه إلى ذلك الرجل.
مراتب الفراش عند الحنفية أربعة أقسام، وهي بحسب القوة والطعن كما يلي:
1- فراش ضعيف: وهو فراش الأمة التي لم تولد ولا يثبت نسب ولدها حتى يدعيه سيدها.
2- فراش متوسط: وهو فراش أم الولد التي ولدت لسيدها سابقا، فإذا ولدت بعد ذلك فإن ولدها يثبت نسبه من سيده بلا توقف على دعوة (بكسر الدال) السيد له، فإن نفاه لم يثبت.
3- فراش قوي: وهو فراش الزوجة حال قيام الزوجية الصحيحة بينها وبين زوجها، أو حال عدتها من طلاق رجعي فيثبت نسب الولد من غير حاجة إلى دعوة (بكسر الدال) ولكنه ينتفي باللعان.
4- فراش أقوى: وهو فراش المطلقة بائنا، فإن النسب لا ينتفي باللعان لأن من شروط اللعان أن تكون الزوجية قائمة فعلا أو حكما (كما في طلاق الرجعي) وعند البينونة انقطعت الزوجية، فلا يجوز اللعان لذلك، كأن فراش المبانة أقوى من فراش الزوجية «.
لقد رأينا أن »المراد بالفراش شرعا تعيين الزوجة للولادة من زوجها وحده، دون غيره. غير أنه يشترط لثبوت النسب بواسطة الفراش ثلاثة شرعية وقانونية رئيسية وهي:
1- إبرام عقد زواج صحيح كقاعدة.
2- انصرام مدة الحمل.
3- إمكانية ولادة الزوجة من زوجها «.
1- إبرام عقد زواج صحيح كقاعدة:
»إن الزواج الصحيح الذي استجمع سائر أركانه وكل شروط صحته هو زواج مرتب لكافة آثاره الشرعية في الحال، وأهم هذه الآثار من الوجهة التي نبحثها، ثبوت نسب الأولاد الذين يولدون على فراش الزوجية لصاحب هذا الفراش، دون غيره. وهذه قاعدة بديهية في الشرع الإسلامي، وقد تبنتها مدونة الأسرة من خلال عدة نصوص قانونية « كما أشرنا سلفا.
تنص المادة 154 من مدونة الأسرة في فقرتها الأولى على "يثبت نسب الولد بفراش الزوجية: 1- إذا ولد لستة أشهر من تاريخ العقد وأمكن الاتصال، سواء أكان العقد صحيحا أم فاسدا".
وعليه، »فإن المدونة تكون قد اختارت مذهب الجمهور عندما قررت ثبوت النسب إن مضى على عقد الزواج أقل مدة الحمل وهي ستة أشهر مع إمكان الاتصال. وبدون تعفر الشرطين معا، لا يثبت النسب بالفراش.
واعتمد المدونة رأي الجمهور خصوصا بالنسبة لظروف العصر، حيث إن الآباء أخذوا يسمحون لبناتهم بالاتصال والاختلاء والتفسح مع خطيبهن بمجرد ما يقع الصداق، فإذا كانت المظنة موجودة وكان الإذن الشرعي قائما وهو العقد، وجاءت المرأة لستة أشهر بولد ونسبته لزوجها، فالقرائن تدل على صدقها خصوصا والشارع متشوق لثبوت النسب.
وهكذا يتبين مما سبق ذكره، أن شروط ثبوت النسب حال قيام الزوجية هي أن يكون عقد النكاح صحيحا مع إمكانية الاتصال، وان يكون الزوج بالغا، ومما يولد لمثله، وأن تلد الزوجة داخل مدة الحمل «.
إذا كان ثبت النسب كقاعدة في الزواج الصحيح، فإن ثبته استثناء في الزواج الباطل والزواج الفاسد.
»فبخصوص ثبت النسب في الزواج الباطل، فقد نظمته المادة 58 من مدونة الأسرة التي جاء فيها ما يلي: "يترتب على الزواج بعد البناء الصداق والاستبراء كما يترتب عليه عند حسن النية لحوق النسب...".
وهكذا- وحسب هذا النص التشريعي- فإذا تم بناء بالمرأة في الزواج الباطل، ثم نتج، عن هذا البناء حمل، فإن المشرع المغربي قد ميز في هذا الصدد، واعتماد على أحكام الفقه المالكي، بين فرضيتين: حالة حسن نية الزوج وحالة سواء نيته.
فإذا كان حسن لحق به الحمل بصفة مطلقة، حيث لا ينفي عنه بأي وجه من الوجه. وإذا كان سيء النية لن يلحق به نسب الحمل، مع العلم أن متأخري فقهاء المذهب المالكي قد ضيقوا من هذا القاعدة «.
أما فيما يخص، »النسب في الزواج الفاسد فإنه يأخذ حكم النسب في الزواج الصحيح، في حق ثبوت النسب، إلا انه لا يثبت بالزواج الفاسد، إلا إذا دخل الرجل بالمرأة دخولا حقيقيا، فإن عقد رجل على امرأة عقدا فاسدا ولم يدخل بها لا يثبت نسب الولد الذي تأتي به المرأة من الزوج «.
وهكذا نص المشرع في المادة 64 من مدونة الأسرة على ما يلي:
"الزواج الذي يفسخ تطبيقا للمادتين 60 و 61 أعلاه، لا ينتج أي أثر قبل البناء وتترتب عنه بعد البناء آثار العقد الصحيح إلى أن يصدر الحكم بفسخه".
2- مدة الحمل:
لا يكفي لكي يلحق النسب بالزوج لدى جمهور الفقهاء وطبقا لأحكام مدونة الأسرة، أن يكون هناك عقد زواج صحيح يربط بينه وبين زوجته، وإنما لابد من أن تتحقق مدة الحمل المفروضة شرعا.
ولمدة الحمل، من الناحية القانونية، حدان، أحدهما أدنى وثانيهما أقصى، ولكل منهما مجال.
أقل مدة الحمل:
»اتفق علماء الإسلام على أن أقل مدة الحمل هي ستة أشهر، مستنبطين ذلك من قوله تعالى "ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا، حملته أمه كرها ووضعته كرها، حمله وفصاله ثلاثون شهر" (الأحقاف: 15). وقوله تعالى: "ووصينا الإنسان بوالده حملته أمه وهنا على وهن، وفصاله في عامين" (لقمان: 14) وقوله تعالى: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين" (البقرة: 233).
وطريق الاستدلال: أن سبحانه قد بين مدة الفصال (التي هي الرضاع) وأنها سنتان، أربعة وعشرون شهرا، وذكر سبحانه أن مدة الحمل والرضاع هي ثلاثون شهرا، ولو طرحت مدة الرضاع فقط من مجموع المدتين لكان الباقي سنة أشهر. وليس من المألوف دائما أن تكون هذه المدة هي أكثر مدة الحمل، لأن أكثر النساء تزيد مدة حملهن عن هذه المدة، فعلم أن هذه أقل مدة الحمل. ولما كان هذا الحكم قد ثبت بنص القرآن الكريم لذلك لم يختلف فيه العلماء «.
وفي هذا الصدد، »تروي كتب الفقه أن رجلا تزوج امرأة فولدت بعد ستة أشهر من إبرام عقد الزواج، فهم الخليفة عثمان رضي الله عنه برجمها فعارضه ابن عباس قائلا: "لو خاصمتكم بكتاب الله لخصمتكم" فإن الله تعالى يقول: "وحمله وفعاله ثلاثون شهرا" ويقول: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين" فيبقى للحمل ستة أشهر...
وقد درأ الخليفة عثمان الحد عن الزوجة، وأثبت نسب الولد من الزوج، تطبيقا لمقتضيات القرآن الواضحة. وبالاعتماد على أحكام الشريعة الإسلامية أعلاه، جاء في مطلع المادة 154 من مدونة الأسرة ما يلي:
"يثبت نسب الولد بفراش الزوجية:
1- إذا ولد لستة أشهر من تاريخ العقد".
وستة الأشهر هذه تحتسب ابتداء من تاريخ إبرام عقد الزواج لا من تاريخ الدخول «.
أقصى مدة الحمل:
»وبخلاف أقل مدة الحمل، وهي ستة أشهر التي وقع عليها الإجماع الفقهي طبقا لما سبق بيانه- فقد تضاربت مواقف الفقه الإسلامي بشأن أقصى مدة الحمل تضاربا كبيرا، بل وقع هذا التضارب حتى داخل المذهب الواحد. ونقف فيما يلي عند جانب من هذا التضارب:
قال الأحناف إن أقصى مدة الحمل سنتان ودليل قول الأحناف هذا ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت "لا يبقى الولد في رحم أمه أكثر من سنتين، ولو بفركة مغزل" وهذا القول لا يعرف إلا سماعا ولم ينزله الفقه المتخصص منزلة الحديث.
وقال الجمهور إن أقصى مدة الحمل رضي الله عنه أنه قال "هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان، امرأة صدق وزوجها رجل صدق، حملت ثلاثة أبكن في أربع سنين..." . وقال محمد بن عبد الحكم أحد فقهاء المالكية: إن أقصاها سنة قمرية «.
وبناء على ذلك، »اعتمادا على المعطيات الفقهية والوقائع الجزئية، وحسما لكل خلاف، فقد أخذت المدونة برأي ابن رشد واعتمدته في أن الأمر يرجع إلى العادة والتجربة، دون النادر الذي يكلد يكون مستحيلا، وهو أن تكون أقصر مدة من الحمل سنة شمسية، وقرر ذلك، ونصت على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثرها سنة « استنادا للفقرة الثانية من المادة 154 من المدونة التي تنص على " يثبت نسب الولد بفراش الزوجية....، إذ ولد خلال سنة من تاريخ الفراق".
3- إمكانية ولادة الزوجة من زوجها:
إذا كانت قاعدة عامة لثبوت النسب فهي مقيدة بالإمكان العادي والشرعي معا، وعبارة إمكانية الاتصال نصت عليها مدونة الأسرة في المادة 154، ولقيام هذا الشرط لابد من توفر عنصرين وهما إمكانية اتصال الزوج بزوجته وإمكانية اتصال الزوج بزوجته وإمكانية إنجابها منه.
- إمكانية الاتصال:
»يثبت الفراش في الزوجة بمجرد العقد عليها، من غير اشتراط إمكان الدخول عند الحنفية، وإما جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة، فقد ذهبوا إلى أن الفراش في الزوجة إنما يثبت بالعقد بشرط إمكان الدخول.
وذهب ابن تيمة إلى أنه لا يثبت فراش الزوجية إلا بمعرفة الدخول المحقق وهو رواية عن الإمام أحمد، واستند في ذلك إلى أن العرف وأهل اللغة لا يعدون المرأة فراشا إلا بعد البناء بها «.
وقد سارت مدونة الأسرة على رأي جمهور الفقهاء خاصة المالكية عندما قررت من خلال مقتضيات المادة 154 من مدونة الأسرة أنه: " يثبت الولد بفراش الزوجية: 1- إذا ولد لستة أشهر من تاريخ العقد وأمكن الاتصال سواء كان العقد صحيحا أم فاسد....".
- إمكانية الإنجاب:
»ذهب المشرع المغربي على رأي جمهور الفقهاء حيث قررت المدونة اعتبار ثبوت فراش الزوجية بالعقد بشرط إمكانية الدخول، أي بشرط إمكانية حمل الزوجة من زوجها بأن يكون ممن يتأتى منه الحمل، بأن يكون بالغا أو مراهقا على الأقل، فو كان صغيرا دون ذلك لا تعتبر الزوجية فراشا، لأنه لا يتصور أن تحمل منه زوجته، ومن ثم لا يثبت نسب ولد وضعته زوجته مهما كانت المدة بين العقد والعظم، وهذا متفق عليه بين الفقهاء «.
»وإذا كانت القاعدة العامة هي أن الزوجية الصحيحة فراش يثبت بها النسب، فإن المصلحة قد اقتضت أن يثبت النسب، كذلك في النكاح بشبهة وفي النكاح الفاسد والنكاح الباطل أحيانا، وعلى سبيل الاستثناء، حماية للنسب من ضياع أولا، وحماية لأعراض النساء المعنيات ثانيا «.
ثانيا: الشبهة
»الشبهة مشتقة من فعل شبه، الشبهة حسب بعض الفقه هي كل ما لم يتيقن هل هو حلل أم حرام، ويتحقق الاتصال بشبهة- كما أسلفنا- في صورة غير مشروعة لاتصال الجنسي تلتبس بصورته المشروعة. وبعبارة أخرى، فالاتصال بشبهة أو المبني على الشبهة لا يكون زنا ولا ملحقا بالزنا من جهة، ولا يكون بناء على نكاح صحيح أو نكاح فاسد من جهة أخرى، ومن هنا دخلته الشبهة «.
»وشبهة تتنوع إلى ثلاثة أنواع: شبهة الحل (ويقال لها شبهة الملك، وشبهة العقد، وشبهة فعل.)
فشبهة الملك: وتسمى شبهة في الحل، أي شبهة في حل المرأة، أو شبهة حكمية أي يشتبه الحكم الشرعي على الرجل في الحل أو الملك. ومثالها، أن يواقع الرجل جارية ابنه معتقدا على ذلك لقوله (ص) "أنت ومالك لأبيك" أو أن يخالط مطلقته بائنا وهي في عدتها منه ظنا أن ذلك جائز مستدلا بما يروي عن سيدنا عمر بن الخطاب: "الكناية رواجع".
وشبهة العقد: هي التي وجدت بسبب وجود العقد صورة لا حقيقية كأن يجري رجل عقد زواجه على امرأة، ثم يتبين فساد العقد لسبب من أسباب الموجبة للفساد، وذلك كما لو عقد رجل على معتدة الغير أو على محرم له رضاعا أو معا معاهرة أو نسبا، وهو يعتقد الحل لجهله بكونها محرمة عليه.
وشبهة الفعل، ويقال لها شبهة استباه، هي التي تتحقق في نفس من اشتبه عليه الحل والحرمة بأن ظن الرجل ما ليس بدليل، دليلا مبيحا لفعله دون أن يكون كذلك في الواقع، وهذه الشبهة كسابقتها تسقط الحد، كما لو زفت امرأة إلى رجل وقيل له هي زوجتك فوطئها ولم تكن كذلك «.
وإثبات النسب من المتصل بشبهة مسألة لا خلاف فيها في الفقه الإسلامي فالتشريع المغربي اعتبر أن الشبهة سببا من أسباب لحقوق النسب. وقد نصت الفقرة الأولى من المادة 155 من مدونة الأسرة. على ما يلي"إذا نتج عن الاتصال بشبهة حمل وولدت المرأة ما بين أقل مدة الحمل وأكثرها، ثبت نسب الولد من المتصل..." لأن الاتصال بشبهة هو عبارة.
ومما تجدر الإشارة إليه، اعتبار »الحمل أثناء الخطبة بمثابة شبهة يثبت بها النسب، فهذه القاعدة من أبرز المستجدات القانونية التي جاءت بها مدونة الأسرة حيث نصت على أنه "إذا تمت الخطوبة، وحصل الإيجاب والقبول، وحالت ظروف قاهرة دون توثيق عقد الزواج، وظهر حمل بالمخطوبة، ينسب للخاطب للشبهة إذا توافرت الشروط الآتية:
أ- إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما ووافق ولي الزوجة عليها عند الاقتضاء.
ب- إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة.
ج- إذا أقر الخطيبان أن الحمل منهما.
تتم معاينة هذه الشروط بمقرر قضائي غير قابل للطعن.
إذا أنكر الخاطب أن يكون ذلك الحمل منه، أمكن اللجوء إلى جميع الوسائل الشرعية في إثبات النسب" «.
ومن المعلوم أنه »متى ثبت نسب الولد في الاتصال بشبهة، ترتبت عليه من الناحية القانونية جميع النتائج المتعلقة بالقرابة، فيمنع الزواج في الدرجات الممنوعة وتستحق به النفقة والإرث، طبقا لمقتضيات المادة 157 من مدونة الأسرة، وتكون له جنسية أبيه «.
ثالثا: الإقرار
»الإقرار في اللغة الاعتراف به، يقال اقر به اعترف به وقرره فأقر إذا حمله على الإقرار مأخوذ من المقرر وهو المكان، كأن المقر جعل الحق في موضعه ومقره «. ومن الناحية الاصطلاحية، »فالإقرار لدى جانب من الفقه هو عبارة عن "خبر يوجب حكم صدقه على قائله بلفظه أو بلفظ نائبه" «.
والأصل في الإقرار الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى: "إذا أخذ الله ميثاق النبيين" وإلى قوله تعالى: "أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا".
أما السنة فإن »النبي (ص) رجم الذي اقر على نفسه بالزنى. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال أتى رسول الله (ص) رجل من المسلمين وهو في المسجد فناداه يا رسول الله إني زينت فلما أقر على نفسه بذلك وكان محصنا أمر عليه الصلاة والسلام برجمه. كما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه رجم الغامدية عندما أقرت بالزنى.
وأما الإجماع فلأن الأمة قد أجمعت على صحة القرار. ولأنه إخبار ينفي التهمة، والريبة عن المقر، ولان العاقل لا يكذب على نفسه كذبا يضرها، ولهذا فهو حجة في حق المقر، بيد أنه حجة مقصورة على نفس المقر لا تتعداه إلى غيره. فإذا اعترف الشخص انه زنى بامرأة فكذبته فعليه الحد دونها.
والإقرار من طرق ثبوت النسب، ويسمى أيضا بالدعوة وهو حجة قاصرة لا يتعداه إلى غيره إلا إذا صدقه ذلك الغير، أو قامت بينه على صحة الإقرار «.
»والإقرار بالنسب هو ادعاء المدعي المقر أنه أب لغيره، وقد نظمه المشرع المغربي بمدونة الأسرة وسماه كذلك بالاستحقاق، من خلال المواد 160 و 161 و 162، غير أنه يوجد إلى جانب هذا الإقرار المباشر بالنسب، إقرار من نوع آخر غير مباشر يجعل المقر له ينتسب إلى الغير لا إلى المقر مباشرة « »ويسمى الإقرار بفرع النسب، كالإقرار بالأخوة والأعمام والأجداد وأولاد الأولاد. وهذا ما يسميه الفقهاء إقرار فيه حمل النسب على غير المقر ابتداء ثم يتعدى إليه نفسه «، وعلى ذلك »إذا أقر شخص بان فلانا ابن ابنه ففيه تحميل للنسب على الغير هو ابنه، بنسبه أولادا إليه. فلا يكتفي هذا الإقرار بذاته لإثبات نسب الحفيد إلا إذا قبله الأب أو قامت عليه بينة، وكذلك الإقرار بالأخوة والعمومة، فلو اقر شخص بأن فلانا أخوه أو عمه فلا تثبت أخوته له أو عمومته إلا إذا ثبتت بداءة بنوة المقر له من أب المقر وبنوة المقر له من جد المقر «.
»واعترف شخص بأنه أب ولد هو إقرار بالنسب، والإقرار عبارة عن تصرف قانوني بإرادة منفردة، يخضع – على وجه العموم- لما تخضع له التصرفات الانفرادية من أحكام، وهو يصح من باب أولى إذا صدر من الزوجين معا.
ولكي يرتب الإقرار بالنسب آثاره القانونية كاملة، لابد من أن تتوفر فيه بعض الشروط، وشروط الإقرار بالنسب، أو الاستلحاق «، »ورد النص عليها ضمن مقتضيات مدونة الأسرة وقد صيغت بالكيفية الآتية:
" يثبت النسب بإقرار الأب ببنوة المقر به ولو في مرض الموت، وفق الشروط الآتية:
1- أن يكون الأب المقر عاقلا.
2- أن لا يكون الولد المقر به معلوم النسب.
3- أن لا يكذب المستلحق- بكسر الحاء- عقل أو عادة.
4- أن يوافق المستلحق – بفتح الحاء- إذا كان راشدا حين الاستلحاق..." «.
وفي هذا الصدد يمكن شرح هذه الشروط تبعا فيما يلي:
1: يجب أن يكون المقر بالنسب عاقلا: »يجب أن يكون المقر عاقلا، فلا يصح الاستلحاق من مجنون ولا من مكره ولا من صبي ومن في حكمه كالخصي أو المجبوب «.
»ويقصد بالعقل أن يكون المقر بالنسب كامل الأهلية سالم الإدراك، ويصح من الناحية الفقهية إقرار السفيه بالنسب، لان السفه الذي يؤثر في التصرفات المالية للشخص لا أثر له من الناحية القانونية على إدراكه وتميزه طبقا للقواعد العامة «.
2: يجب ألا يكون الولد المقر به معلوم النسب، »يجب أن يكون الولد مقطوع النسب مجهول النسب، فإن كان معلوم النسب فلا يصح استلحاقه، وكذا مقطوع النسب كولد الزنا المعلوم أنه من الزنا أو كان منفيا بلعان عن فراش نكاح صحيح فلا يصح استلحاقه «.
3: يجب ألا يكذب المستلحق عقل أو عادة، »يجب ألا يكذب المقر بالنسب في إقراره هذا عقل أو عادة، كأن يكون مثلا المقر والمقر به في نفس السن أو بينهما فرق بسيط جدا في السن لا يسمح لأحدهما عقلا أن يكون ابنا لآخر. ولعل تكذبه العادة في الواقع كذلك أن يقر رجل ينسب ولد من بلد أو مكان بعيد جدا ما لم يسبق له- أي المقرر- مطلقا أن زاره أو يثبت انه خصي أو محبوب «.
4: يجب أن يصدق المقر له في إقراره إذا كان راشدا: »أن يصدقه المستلحلق (بفتح الحاء) المكلف، فإن كان صيبا أو مجنونا أو ميتا، فلا دعي لتصديقهم ولو كذبته أم المستحلق (بفتح الحاء) المستحلق (بكسر الحاء) وكان مكلفا شرعا، أقام المدعي المستحلق (بكسر الحاء) بينته وغلا حلف المدعى عليه، فإن نكل ثبت نسبه. فمتى وجدت هذه الشروط صح الاستلحاق وأصبح الولد شرعا بلا فارق إطلاقا بينه وبين بقية أولاده «.
رابعا: شهادة عدلين أو بينة السماع
»فالشهادة مشتقة من المشاهدة، وهي المعاينة، لأن الشاهد يخبر عما شاهده وعاينه، ومعناها الإخبار عما علم بفلظ أشهد أو شهدتا. وقيل الشهادة مأخوذة من الإعلام من قوله تعالى: "شهد الله أنه لا غله إلا هو" (آل عمران: 14) أي علم. ولا يحل لأحد أن يشهد إلا بعلم، والعلم يحصل بالرؤية أو بالسماع أو باستفاضة فيما يتعذر علمه غالبا بدونها، والاستفاضة هي الشهرة التي تثمر الظن والعلم «. والشهادة التي يثبت بها النسب هنا هي. »شهادة رجلين عدلي ناو شهادة رجل وامرأتين عدول إذا كان نزاع على نسب ولد قائما بين غير الزوج والزوجة أو معتدته، فإذا كان قائما بينهما جاز الاكتفاء بشهادة المرأة الواحدة أو الرجل الواحد للإثبات «.
»وكما يصح ثبوت النسب بشهادة كاملة وحجة قاطعة على خلاف في نصابها بين الفقهاء، ويصح ثبوت النسب بشهادة السماع الفاشي، والاكتفاء بهذه الشهادة المستفيظة، وقد سارت المدونة في هذا الاتجاه، حيث قررت أن أثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب، أو بشهادة عدلي أو ببينة السماع... «
وعليه، »عرف ابن عرفة شهادة السماع بأنها: "لقب لما يصرح الشاهد فيه شهادته لسماع من غير معين فتخرج عن هذه الشهادة شهادة البت و القطع لقوله باسناد شهادته لسماع " كما تخرج شهادة النقل لقوله "من غير معين" «.
»وقد حظي تقديم الأدلة ووسائل الإثبات عن طريق الشهادة باهتمام كبير في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها" «.
خامسا: الخبرة القضائية
»الخبرة بصفة عامة هي امتلاك مؤهلات ومهارات عالية في أي علم أو فن أو مجال معين.
وعليه، فالخبرة القضائية: عرفها كثير من الفقهاء والباحثين، ويمكن القول بأنها استعانة القاضي بذوي الاختصاص من اجل فهم نقطة علمية أو تقنية تكون محل نزاع قضائي، ولا يستطيع الفصل فيها دون اللجوء إلى المختصين في مجالها «.
ومن ثم، أصبح اعتماد الوسائل العلمية في إثبات النسب شيء ضروري لا مفر منه، خاصة بالنسبة لنظام البصمة الوراثية ونظام تحليل فصائل الدم.
1- البصمة الوراثية:
»تعتبر البصمة الوراثية إحدى الطرق العلمية التي يثبت بها النسب، ويقصد بالبصمة الوراثية "البنية الوراثية التي ينفرد بها كل شخص عن غيره والتي تمكننا من التحقق من الشخصية والوالدية والبيولوجية" «.
»فالمادة الوراثية التي توجد في كل خلية من خلايا الإنسان تسمى بالحمض النووي حيث لكل فرد حمض نووي مميز ومختلف عن غيره إلا في حالة واحدة فقط هي حالة التوأم المثلي، كل مولود يأخذ نصف الحمض من الأب والنصف الآخر من الأم، وخلال الاختبارت لإثبات النسب تقارن الصفات الوراثية للمولود بالصفات المتواجدة في الأب والأم علما أن هذا الاختبار يحل جميع المشاكل القانونية المتعلقة بإنكار النسب ويتم ذلك عن طريق فحص الحمض النووي (D.N.A) لأحد المواد السائلة في جسم الإنسان كالدم أو اللعاب أو الأنسجة كاللحم والجلد أو مواد أخرى كالشعر والعظام سواء كان الإنسان حيا أو ميتا أو حتى كان رفاتا «.
2- تحليل الدم:
ينقسم الدم إلى أربعة فصائل رئيسية يشترك فيها جميع البشر وهي (A.B.AB.O).
»إن طريق فحص فصيلة الدم التي ينتسب إليها دم الزوج والزوجة والولد أمكن التوصل إلى احد فرضيتين:
- أولا: ظهور فصيلة دم الطفل مختلفة لمقتضيات تناسل فصيلتي الزوجين، وهذا معناه أن الزوج ليس هو الأب الحقيقي للطفل على وجه التأكيد. فمثلا إذا كانت فصيلة دم الزوجة هي (A) وكانت فصيلة دم الطفل (B) أو (AB) فهذا دليل على أن الطفل هي من غير الزوج.
ثانيا: ظهور فصيلة دم الطفل متوافقة بمقتضيات تناسل فصيلتي دم الزوجين، وهذا معناه أن الزوج (قد يكون) الأب الحقيقي (وقد لا يكون) وعلة عدم قطعية الإثبات عند توافق الفصائل، وهو أن الفصيلة الواحدة قد يشترك فيها أناس كثيرون يحتمل أن يكون الأب واحد منهم فمثلا، إذا كانت فصيلة كل من الأب والأم والطفل (A) فهذا ليس بدليل قاطع على أن الأب هو الأب الحقيقي لوجود آباء آخرين عندهم نفس فصيلة الدم «.
الفقرة الثالثة: وسائل نفي النسب
بالرجوع إلى أحكام الفقه الإسلامي، بالخصوص منها أحكام الفقه المالكي، يتضح جيدا أن نفي النسب يتم باللعان وحده، وقد أضاف إليه المشرع المغربي الخبرة الطبية - كما سلفا ذكر-
إذا كانت القاعدة العامة هي أن إثبات النسب لا يحتاج لتأكيده عادة إلى حكم يصدر عن القضاء اللهم إلا إذا ما نازع فيه أحد من ذوي المصلحة، فإن نفي النسب لا يمكن أن يتقرر في التشريع المغربي مطلقا، إلا بواسطة حكم نهائي تصدره المحكمة المختصة. وقد أشار المشرع إلى هذه القاعدة بكيفية صريحة من خلال مقتضيات المادة 159 من مدونة الأسرة التي تنص على انه:
"لا ينفي الولد عن الرجل أو حمل الزوجة منه إلا بحكم القاضي" وذهب المشرع من خلال مقتضيات المادة 151 إلى نفس القرار فنص على أن "يثبت النسب بالظن ولا ينتقي إلا يحكم قضائي".
ومن ثمة، فالنسب ينتفي إما باختلال شروط الفراش (أولا) أو عن طريق اللعان – كما سلفا ذكر- (ثانيا).
أولا: اختلال شروط الفراش
أول هذه الشروط أن يوجد مبدئيا عقد زواج صحيح بين الزوجين، وثانيهما أن تتحقق مدة الحمل الشرعية، وثالثها أن يتمكن الزوج من الاتصال بزوجته وإنجابها منه.
وفي غياب تلك الشروط، لا ينسب الحمل أو الولد للزوج، ولا تتعطل الآثار التي ترتبها البنوة الشرعية.
1- عدم وجود عقد زواج صحيح:
»إن عقد الزواج هو مناط الفراش، يدور معه وجودا وعدما، حتى صار عقد الزواج لدى جانب من الفقه مردافا للفراش.
وعليه، فالزنى جريمة والنسب نعمة، والجريمة لا ترتب نعمة أبدا. فمن حيث المبدأ، فإن المرأة التي تدعي أن ولدها ينسب إلى رجل ما، عليها أن تثبت زواجها من هذا الرجل.
ومن هذه الناحية، يمكن للشخص أن ينفي النسب عنه كلما استطاع إثبات عدم وجود رابطة زوجية أثناء الحمل أو الولادة. وهذا الإثبات ليس في حقيقته ذكرا على الرجل والمرأة المعنيين بأمر الحمل أو الولد مباشرة، وغنما هو حق ثابتا لكل ذي مصلحة في نفي الحمل أو الولد، من نطاق الإرث، ويثبت هذا الحق من باب أولى إلى النيابة العامة، إعمالا بالمادة 3 من مدونة الأسرة.
ومن ضمن القرارات التي صدرت عن المجلس الأعلى في هذا الصدد، تذكر على وجه الخصوص:
"... لما ثبت أن الزواج كان بعد الوضع فإن المولود لا يلحق بنسب المدعى عليه ولو اقر ببنوته..." «.
2- الولادة خارج المدة الشرعية:
سبق أن ذكرنا، أن علماء الإسلام اتفقوا على أن اقل مدة الحمل هي ستة أشهر من تاريخ العقد، وأقصاها سنة من تاريخ الفراق سواء طلقها أو توفي عنها.
وعليه، »فمتى ولدت الزوجة قبل مرور ستة أشهر من تاريخ العقد عليها فإن النسب لا يلحق بالزوج كقاعدة عامة. وفي هذا الصدد بالذات جاء في قرار للمجلس الأعلى: "الوضع لأقل من ستة أشهر... ينفي النسب ويفسخ النكاح..." «.
أما إذا فارق الزوج زوجته لكونه قد طلقها أو توفي عنها، ثم أتت لولد بعد مرور أكثر من سنة تحسب من وقت الفراق، فإن النسب لا يثبت في جانب الزوج كقاعدة.
3- عدم إمكانية حمل الزوجة من الزوج:
»إن وجود عقد زواج بين الرجل والمرأة يعد قرينة قوية على أن الحمل أو الولد الذي جاءت به الزوجة هو لصاحب الفراش، وهي قرينة قاطعة لا يمكن دحظها بدليل عكسي، متى تحققت شروطها، غير أنه يمكن دائما هدم هذه القرينة كلما استطاع المعني بالأمر إثبات أن شروط الولد للفراش أو إحداهما لم تتحقق.
وعليه، فيمكن للزوج دائما- ولنفي النسب عنه- أن يثبت أنه غير مؤهل أصلا للإنجاب، كما لو كان مخصيا أو محبوبا، أو لم يكن كذلك إلا أنه لم تتح له عمليا ويقين فرصة الاتصال بزوجته، كما لو كان يقطن بالخارج وتزوج عن طريق الوكالة مثلا وثبت يقينا أنه لم يحظر إلى المغرب خلال مدة الحمل، وثبت يقينا أن الزوجة لم تسافر إليه « .
ثانيا: اللعان
»اللعان نظام شرعي وقانوني من ضمن ما يهدف إليه هو نفي النسب، وهو نظام إسلامي خالص، لا نظر له في باقي التشريعات السماوية أو الديانة الوضعية غير الإسلامية، لذلك فهو لا يقبل التطبيق على معتنقي الديانة اليهودية والنصرانى، إلا إذا ارتضوا صراحة ذلك.
وقد عرفه الإمام ابن عرفة اللعان بقوله: " هو حلف الزوج على زنى زوجته، أو نفي حملها اللازم له، حلها على تكذيبه إن أوجب نكولها حدها بحكم القاضي" «.
ودليل مشروعية اللعان قوله تعالى: " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن شهداء إلا أنفسهم فشهادة احدهم أبرع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، وان لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين".
»واللعان لا يكون إلا للزوجين ولو فسد نكاحهما أو كان نكاح شبهة كما مر. وسبب اللعان بين الزوجين أمران:
أحدهما: نفي حمل ظهر بها أو ولد ولو ميتا أو متعددا.
ثانيهما: رؤية الزنا، ولو لم يقل رأيت فرج الزاني في فرجها كالمرود في المكحلة، بل يكفي أن يقول: رأيتها تزني أو تحققت زناها «.
إذا، »فاللعان لا يتم إلا بواسطة دعوى ترفع أمام قسم قضاء الأسرة، التابع للمحكمة الابتدائية، ورفع هذه الدعوى يخضع مبدئيا لقانون المسطرة المدنية، و على المحكمة التي رفعت دعوة اللعان أمامها ان تستدعي الطرفين – الزوج و الزوجة – وفقا للقواعد المضمنة في قانون المسطرة المدنية وتطبق بصددهما الأحكام المضمنة في أية الملاعنة المنصوص عليها في سورة النور، وصورتها أن يحلف الزوج أربع مرات أنه صادق في اتهامه لزوجته، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان كذبا في ادعائه، وإذا أصرت الزوجة على تكذيبه فيجب عليها بدورها أن تحلف أربع مرات بأنه كاذب فيما يدعيه، وفي الخامسة أن غضب الله عليها إن كان صادقا فيما رماها به «.
يقول جلت قدرته وهو خير الحاكمين: "والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهما أربع شهادات بالله انه لمن الصادقين ز الخامسة ان لعنة الله ان كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها ان كان من الصادقين".
»والمشرع المغربي نص على أنه لا ينتفي الولد عن الرجل أو حمل الزوجة منه إلا بحكم القاضي، أي لا يعتبر الولد منفيا بمجرد الملاعنة أو مجرد إعلان الزوج بذلك، إلا بعد صدور حكم من المحكمة يقضي بنفي النسب بعد إجراء الملاعنة بين الزوجين ، و بشرط ان يتقدم ذلك استبراء الزوجة بالوسائل الشرعية، وأما إذا لم يتم هذا الاستبراء فإنه لا يجوز الحكم بنفي نسب الولد