حق الطفل في البنوة
للبنوة مفهوم محدد في اللغة والاصطلاح (الفقرة الأولى)، وحسب المادة 142 من مدونة الأسرة، فإن هذه البنوة قد تكون شرعية (الفقرة الثانية) وقد تكون غير شرعية وهي ما يعبر عنها بالبنوة الطبيعية (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: تعريف البنوة لغة واصطلاحا
»البنوة في الأصل اللغوي هو نسبة مولود لمن ولد عنه، فإن اعتبرتها من جانب الأب كانت أبوة، وإن اعتبرتها من جانب الابن كانت بنوة، فالأبوة أصل والبنوة فرع «.
ومن الناحية الاصطلاحية اعتبرت المادة 142 من مدونة الأسرة أن البنوة تتحقق بنسل الولد من أبويه معا.
وهكذا، »فالبنوة تمثل النتيجة الطبيعية للتوالد الذي يكون ثمرة اتصال جنسي بين ذكر وأنثى- أي بين رجل وامرأة- حيث يكون الولد في هذه الحالة ابنا طبيعيا لطرفي العلاقة التي كانت سببا في وجوده، والمقصود هنا العلاقة الجنسية التي تمت بينهما «.
وحسب المادة 142 أعلاه، فإن هذه البنوة قد تكون شرعية أو غير شرعية.
الفقرة الثانية: البنوة الشرعية
يمكن تعريف »البنوة الشرعية باعتبار ماهيتها، ونقول هي نسبة الولد وأبيه والمترتبة على زواج صحيح أو زواج فاسد وليس فيه حد (درأ الحد) أو تعريفها باعتبار ما يترتب عليها بأنها هي التي يتبع الولد فيها أباه في الدين والنسب، وهي التي يبنى عليها الميراث وينتج عنها موانع الزواج، ويترتب عليها حقوق وواجبات أبويه وبنوته «.
»بين المشرع حالة البنوة الشرعية بالنسبة للأب من خلال أحكام المادة 144 من مدونة الأسرة، وقد جاء فيها ما يلي "تكون البنوة الشرعية بالنسبة للأب في حالة قيام سبب من أسباب النسب وتنتج عنها جميع الآثار المترتبة على النسب شرعا". وهكذا، يكون هناك تلازم بين البنوة شرعية والأسباب المثبتة للنسب الشرعي. ذلك أنه، وحسب هذا النص، تكون البنوة شرعية في حالة قيام سبب من أسباب ثبوت النسب الشرعي الصحيح. وهذه الأسباب الأخيرة «، حسب مدونة الأسرة هي كالآتي: الفراش، الإقرار، الشبهة.
وبالإضافة إلى الحالات أعلاه، والتي نصت عليها المادة 152 من مدونة الأسرة، أضافت المادة 158 من نفس المدونة ما يلي "يثبت النسب بالفراش أو بالإقرار الأب أو بشهادة عدلين أو بينة السماع، وبكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا بما في ذلك الخبرة القضائية".
»والبنوة الشرعية هي الأصل، إذ حسب المادة 143 من مدونة الأسرة التي تنص على "تعتبر البنوة بالنسبة للأب والأم شرعية إلى أن يثبت العكس".
ومن البديهي أن إثبات العكس فيه نفي للبنوة، وهو إثبات من الصعوبة بمكان بالنسبة للغير، حيث يحتاج إلى التمتع بالصفة كشرط أساسي لإقامة الدعوى، وهي غير متوفرة مبدئيا لغير الأب. كما أن الأمر يحتاج إلى صدور حكم قضائي بذلك «.
أما بالنسبة للأم فقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة 147 من مدونة الأسرة على أنه "تعتبر بنوة الأمومة شرعية في حالة الزوجية والشبهة والاغتصاب."
* حالة الزوجية: »ويعني بها الزواج الصحيح المتوفر على جميع أركانه وشروط صحته، وانتفاء موانعه.
* الشبهة: هي كل ما لم يتيقن أنه حلال أو حرام، ومن ذلك من يتصل مثلا بامرأة في الظلام وهو في حالة سكر طافح، معتقد أنها زوجته، ثم تبين له العكس «.
* الاغتصاب: »بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 486 من القانون الجنائي نجده يعرف الاغتصاب بأنه مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها، وبالمواقعة تعني إيلاج عضو التذكير في عضو التأنيث «.
وقد أشار المشرع إلى أهم الآثار التي تترتب عن البنوة الشرعية من خلال مقتضيات المادة 157 من مدونة الأسرة وقد جاء فيها "متى ثبت النسب ولو في زواج فاسد أو بشبهة أو بالاستحقاق، تترتب عليه جميع نتائج القرابة، فيمنع الزواج بالمصاهرة أو الرضاع، وتستحق به نفقة الغرابة والإرث".
الفقرة الثالثة: البنوة غير الشرعية
»البنوة غير الشرعية أو ما يعبر عنها بالبنوة الطبيعية وهي الناتجة عن الفاحشة فهي ملغاة وغير معتبرة بالنسبة للأب، ولا يمكن أن يلحق به وينسب إليه، وبالتالي فلا ينتج ولا يترتب عليها أي شيء إطلاقا، وهي كالشرعية بالنسبة للأم لأنه ولدها على كل حال «.
وهنا لابد- من الناحية الشرعية- من التمييز بين أبوة الأب وأمومة الأم.
»بالنسبة للأب إذا لم يتوفر سبب شرعي كالغراس أو الإقرار أو الشبهة، مما يجعل البنوة شرعية بالنسبة إليه، كانت هذه البنوة غير شرعية، أي مجرد علاقة بيولوجية لا يعترف بها المشرع ولا يترتب عليها بالنسبة لهذا الأب أي أثر شرعي، وهو ما نتج عليه وبكيفية صريحة كذلك مقتضيات المادة 148 من مدونة الأسرة وقد جاء فيها: "لا يترتب على البنوة غير الشرعية بالنسبة للأب أي أثر من آثار البنوة الشرعية".وتكون البنوة غير شرعية بالنسبة للاب كلما إنتفت إحدى الحلات التي يترتب عليها ثبوت النسب الشرعي الصحيح، وهي المنصوص عليها ضمن المواد 145 و 152 و 158 من مدونة الأسرة.
وتطبيقا للقواعد أعلاه، جاء في قرار المجلس الأعلى:
"... لما ثبت لقضاة الموضوع أن نكاح المدعى عليه للمدعية كان بعد وضع حملها المزداد منه البنت... فإن هذه البنت لا تلحق بنسب المدعى عليه ولو أقر ببنوتها وكانت من مائة لأنها بنت زنا وابن الزنا لا يصح الإقرار ببنوته لوا استحقاقه لقول الشيخ خليل إنما يستحق الإبن مجهول النسب، قال العلامة الزرقاني لا مقطوعة كولد الزنا لأن المشرع قطع نسبه..." «.
»أما بالنسبة للأم سواء كانت العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة شرعية أن غير شرعية فإن البنوة الناتجة عن الاتصال الجنسي بينهما هي بنوة ثابتة في حق الأم، مرتبة لكافة آثارها الشرعية بالنسبة لها، وهو ما نبه إليه المشرع بكيفية صريحة من خلال المادة 146 من مدونة الأسرة، وقد جاء فيها أنه: "تستوي البنوة للأم في الآثار التي تترتب عليها سواء كانت ناتجة عن علاقة شرعية أو غير شرعية". وأضافت الفقرة الأخيرة من المادة 147 من مدونة الأسرة: "تعتبر بنوة الأمومة شرعية في حالة الزوجية والشبهة والاغتصاب".
ومن الناحية الشرعية تترتب على بنوة الأم جميع النتائج التي ترتبها القرابة عموما، حيث تمنع الزواج بالمصاهرة والرضاع، وتستحق بها النفقة والإرث، وهو ما يستفيد من القراءة المتأنية لنص المادة 146 أعلاه «.