الحق الطفل في الرضاعة

 الحق الطفل في الرضاعة



حين يولد المولود ويرى النور، ويحسب في عداد الناس، يخلق ضعيفا ولا يستطيع أن يقوم بشؤون نفسه، فيحتاج إلى من يرعاه ويربيه، وأولى الناس بهذا الواجب هما أبواه لأنهما أقرب إليه من سائر الناس.

وللرضاعة في الشريعة الإسلامية أحكام تشكل سببا من أسباب تحريم الزواج من جهة، وأحكام أخرى تشكل واجبا للطفل في أول عهده بالحياة من جهة أخرى، وهي موضوع هذا المبحث.

وقد نصت مدونة الأسرة على هذا الحق في المادة 54 بقولها:

"للأطفال على أبويهم الحقوق التالية.... إرضاع الأم لأولدها عند الاستطاع".

وعليه، وقبل كل شيء المقصود بالرضاعة (المطلب الأول) ومتى يوجب  الرضاع على الأم (المطلب الثاني) ومن يستحق أجرة الرضاع (المطلب الثالث) ومن تجب عليه أجرة الرضاع (المطلب الرابع).

الفقرة الأولى: المقصود بالرضاعة

يقصد  »بالرضاع (يفتح الراء وكسرها) في اللغة مص اللبن من الثدي ومن هذا قول العرب لئيم راضع، بمعنى أنه يرضع غنمة ولا يحلبها مخالفة أن يسمع صوت حلبه، فيطلب منه اللبن. وشرعا هو مص الطفل اللبن من ثدي أمه أو غيرها في مدة معينة. 

ومن رحمته تعالى أن أجرى اللبن في أثداء الأمهات غذاء كاملا سهل التناول والهضم، ومدى الطفل إلى التقام ثدي أمه وامتصاص اللبن منه بفطرته. وخير غداء للطفل أول حياته هو لبن أمه «.

 الفقرة الثانية: وجب الرضاع للرضيع

 »وجهت الشريعة الإسلامية الوالدات بأن يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، لان الأم أحن على طفلها وارأف به، وأنفع له من أي مرضعة سواها. وجعلت الشريعة حق الطفل في الرضاع واجبا دينيا، وإن لم يؤد تركه إلى هلاك الطفل «، وذلك مصداقا لقوله تعالى " و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ، و على لمولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف ، لا تكلف نفسا الآ وسعها لا تضر والدة بوليدها، و لا مولود له بوالده، و على الوارث مثل ذلك  ".

 »فإرضاع الأم لولدها واجب ديني من جهة، تقوم به تنفيذا لقوله تعالى: " و الوالدات يرضعن أولادهن " وواجب انساني من جهة أخرى تقوم به الوالدة بغية تغذية طفلها ومده باللبن الذي هو بحاجة ماسة إليه لنموه، وتجبره الوالدة شرعا على القيام بهذا الواجب «.

 »يتفق الفقهاء على وجوب إرضاع الأم لطفلها وتجبر عليه ديانة وقضاء إذا امتنعت عنه، حتى وإن كان في إجبارها إضرار بها وذلك في الحالات التالية:

1-  إذا كان الأب فقيرا معدما غير قادر على استئجار من ترضع ولده، ولم يكن للصغير مال، ولا توجد من تقوم بالرضاعة من غير أجر.

2- إذا امتنع الطفل عن الرضاعة من غير أمه.

3- إذا لم يوجد أصلا من يرضع الصغير لا بأجر وبغيره غير أم الطفل.

ففي الأحوال الثلاث السابقة، تجبر الأم على إرضاع ولدها محافظة عليه من الهلاك، وحتى وإن كان في إلزام الأم وإجبارها إضرار بها، ذلك أن ضرر الأم يكون قليلا بالنسبة للضر الذي يقع على الطفل في حالة امتناع الأم عن الإرضاع «.

 »ويحق للوالد،  فيما عدا ذلك من حالات، استئجار مرضعة ترضع له طفله في مقابل مبلغ من المال يتفق معها على قيمته، وتسمى المرضعة ظئرا، ويعتبر عقدا الإيجار هذا عقدا صحيحا، يلزم الوالد بدفع المبلغ المتفق عليه.

وذهب المالكية إلى أن الأم تجبر على إرضاع طفلها إذا كانت زوجة لأبيه بدون أجر ما لم تكن من الأشراف، لأن هؤلاء يستأجرون مرضعات لأولادهم، فإذا رفض الطفل ثدي غيرها وجب عليها إرضاعه، ولكنه إذا فعلت كان لها الأجر. أما المطلقة فلا تجبر على الإرضاع إلا في الحالات الضرورية «.

الفقرة الثالثة: من يستحق أجرة الرضاع

 »يفرق الحنفية بشأن من تقوم بالإرضاع بين أن يكون الأم أو غيرها، والأم إما أن تكون زوجة لوالد الرضيع أو معتدة منه بطلاق رجعي أو بائن، أو تكون أجنبية عنه بان تكون الزوجية بينهما قد انتهت وانقضت العدة «.

 »فإذا كانت المرضعة والدة الطفل، وزوجة لأبيه فهي لا تستحق أجرة على إرضاعها، لأن الواجب لها على والد الطفل هو حق واحد وهو نفقتها، فإذا كانت الزوجية قائمة، وأوجبنا على الزوج- والد الطفل- أجرة لإرضاع طفلها كنا أوجبنا على الزوج حقين، والواجب عليه حق واحد. ونفس الحكم إذا كانت مطلقة من طلاق الأب رجعيا، وهي خلال العدة، فلا تستحق أجرة الرضاعة لأن الرابطة الزوجية مازالت لم تنقطع «.

 »وإذا كانت الأم معتدة من طلاق بائن ففي هذه الحالة لا تجب لها الأجرة طبقا للرأي الراجح، وذلك لأنه يجب لها النفقة على زوجها مادامت في عدة الطلاق البائن ومن ثم فلا تستحق نفقة ثابتة حتى لا يؤدي ذلك إلى اجتماع نفقتين في مال واحد ذلك لا يجوز «.

 »وبعد انتهاء الزوجية وانقضاء العدة، أو كانت الأم في عدة الوفاة، وأرضعت الأم ولدها، فإنها تستحق أجرة على هذا يعني ولو كانت متعينة لإرضاع الولد، ذلك لأنها لا تستحق نفقة للزوجية لانتهائها بانقضاء العدة أو الوفاة، فهي أجنبية عن الأب فتأخذ حكم المرضعة الأجنبية في استحقاق الأجرة، ولأن في إلزامها بالرضاع مجانا مع ضعفها وانقطاع نفقتها إلحاق الضرر بها،وهو لا يجوز، و قد دل على دل ذلك قوله تعالى في المذلقات " و ان كن أولات حمل  فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن، فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن" فقد أوجبت الآية على الأزواج أن يعطوا مطلقاتهم أجرة الإرضاع إذا قمن به بعد العدة،ومن المقرر أن المطلقة بعد أن تنقضي عدتها من الزوج لا نفقة لها . هذا ما يتعلق بالأم المرضعة، وأما إذا كانت المرضعة ليست أما فإنها تستحق الأجرة على إرضاعها مطلقا، قريبة من الطفل أو بعيدة عنه وتسمى "ظئرا" « كما أسفلنا.

 »وإذا كانت المرضع هي الأم فإنها تستحق الأجر بمجرد الإرضاع،ـ ولا يتوقف باستحقاقها على سبق اتفاق بينها وبين الأب، ولا على قضاء القاضي به، وإذا ثبت لها الأجرة تصير دينا لا تسقط عنه إلا بالأداء أو الإبراء، لأنها في مقابل عمل قامت به المرأة وهو الإرضاع، ويكون موت الأب قبل أن يدفعها للأم يكون لها حق مطالبة ورثته بها، وتأخذه من تركته «.

 »وتستحق أم الطفل أجرة على إرضاع الولد بالاتفاق بين فقهاء الحنفية، إلا سنتين فقط، حتى إنه إذا كان الطفل لم يستغن بعد تمام الحولين بالطعام عن الرضاع، واستمرت الأم في إرضاعه، فإنه لا يحق لها المطالبة بأجرة الرضاع بعد الحولين لقوله تعالى "والوالدلات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" فالقرآن الكريم جعل تمام الرضاعة بحولين كاملين. وفي حال استحقاق الأم أجرة يجوز الاتفاق عليها، والمصالحة عنها، بأن تأخذ عنها عوضا، وقد تكون جزءا من بدل الخلع «.

 »أما غير الأم فإنها لا تستحق الأجرة بمجرد الإرضاع، بل تستحقها من وقت الاتفاق، لأنها مستأجرة للإرضاع فلا تستحق الأجرة إلا من يوم العقد «.

ونخلص مما تقدم، إلا أن البحوث الصحية والنفسية أثبتت في الوقت الحاضر أن فترة عامين ضرورية لنمو الطفل نموا سليما من حيث سليم من وجهتين النفسية والصحية، بيد أن نعمة الله وكرمه على الأمة الإسلامية لم تنتظر نتائج البحوث والتجارب التي تجرى في معامل علم النفس ولكنها سبقت ذلك كله.

 الفقرة الرابعة: من تجب عليه أجرة الرضاع

 »الكلام على كون الرضاعة حق للطفل، لها اعتباران، فهي من ناحية، متصلة بالنفقة، فتهيئة أسبابها واجبة على من تجب عليه نفقة الصغير، وأول من تجب عليه نفقة الصغير هو أبوه لأنه منسوب إليه، ولأنه جزؤه.

والاعتبار الثاني من ناحية كون الرضاعة غداء مناسبا في دور معين من أدوار الحياة للطفل، والشبه هو لبن الأم ولذلك كان الوجوب الأول بالنسبة للرضاعة عليها. من ناحية الأصل، والإنفاق عليهن واجب على الأب «.

 »فإذا كان الأب معسرا وقادرا على الكسب أجبرت الأم على إرضاعه ويكون الأجر دينا على الأب يدفعه لها إذا أيسر، وان كان معسرا عاجزا عن الكسب أو متوفي وجبت أجرة الرضاع على من تجب عليه نفقة الصغير من الأقارب لقوله سبحانه وتعالى: "وعلى المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف .." إلى قوله تعالى " وعلى الوارث مثل ذلك" «.

وبما أن  »النفقة تشمل المأكل والملبس والمسكن، فإن أجرة الرضاعة يجب أن تعتبر في مقابل الغذاء، أي المأكل، وتفرض نفقة للطفل للملبس والمسكن فقط، حينما يكون مفروضا بحاضنته أجرة رضاعة . 

ذلك أن الطفل يحتاج إلى النفقة بأنواعها الثلاث و هي ضرورية لإحياء مهجته أما الأجرة فشيء آخر، هو من حق المرضع أن أجرة على فعلها هي، ومن حقها أن تتقاضى هذه الأجرة على عملها «.

 »وعند الجعفرية يجب الأجر في مال الصغير، فغن لم يكن له مال فعلى الأب، فإن لم يكن كان على الأم لوجوب الإنفاق عليها عند عسر الأب «.

تعليقات