حق الطفل في الحياة والصحة السليمة أثناء قيام العلاقة الزوجية
اعتبرت مدونة الأسرة حماية حياة الطفل وصحته حقا واجبا على الأبوين يبدأ من بداية خلقه وهو جنين في بطن أمه، وينتهي بمجرد بلوغه سن الرشد، وهو حتى تفرضه مسؤولية الرعاية والأمانة ولولاه لانقرضت البشرية من الكون، وعلى إثر ذلك سنتطرق خلال هذا المبحث إلى نوعين من الحقوق أولاها سنتعرض في حق الطفل في الحياة (المطلب الأول) وثانيهما الحق في الصحة السليمة (المطلب الثاني).
الفقرة الأولى: الحق في الحياة
لقد اهتمت الشريعة الإسلامية بالجنين منذ تكوينه، وعنيت بحياته، وشرعت له من الأحكام ما يكفل استمراره وبقاءه وإطراد نموه، وأوجبت عقوبة على من يعتدي عليه.
وبذلك، »فالجنين في اللغة هو: حمل المرأة ما دام في بطنها فإن خرج حيا فهو "ولد" وإن خرج ميتا فهو "سقط" وقد يطلق عليه أنه جنين أيضا.
والجنين في اصطلاح الفقهاء لا يغاير الاصطلاح اللغوي، ويسمى جنينا منذ اللحظة التي يلتقي فيها الحيوان المنوي بالبويضة مكونين خلية تتكاثر حتى تصبح خلقا مصورا متكاملا إلى ما قبل مولده «.
وقد بين القرآن الكريم المراحل التي يمر بها الجنين: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فجعلنا المضغة عظاما، فكسونا العظام لحما، ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين".
وبالرجوع إلى الفقرة الأولى من المادة 54 من المدونة نجدها تنص على أنه يتعين على الآباء حماية حياة وصحة أطفالهم منذ الحمل... مما يفهم منه أن المدونة أحاطت الطفل بحماية قانونية و هو في بطن أمه ، أي قبل الوضع، »و هنا تتضح المرجعية الإسلامية للمدونة والتي تقرر حق الطفل في الحياة منذ الحمل وهو الشيء الذي لم تشر إليه الاتفاقيات الدولية المتعلق بحقوق الطفل كحق ذاتي قائم بنفسه، وكل ما تضمنته اتفاقية حقوق الطفل في الديباجة، هو ضمان حماية قانونية مناسبة قبل الولادة دون التصريح بحق الجنين في الحياة ويرجع ذلك إلى اختلاف مبدئي في الموضوع «.
عموما »تقر الشريعة الإسلامية للجنين الحق في الحياة، ومن ثم لا يجوز شرعا قتل الجنين أو إسقاطه من غير سبب شرعي، ومن الجمع عليه أن الإجهاض غير جائز في الشريعة، إلا في حالة واحدة، وهي أن يكون استمرار الحمل فيه خطر محقق على حياة الأم. ولا تفرق الشريعة في شان الاعتداء على حياة الجنين بين صدوره من الأم وغير الأم، مادام كان غير لسبب شرعي، حفاظا على حق الطفل في الحياة «.
وفي حكم إسقاط الجنين، يقسم الفقهاء حياة الجنين إلى مرحلتين :مرحلة ما قبل نفخ الروح و مرحلة ما بعد نفخ الروح .
»فإسقاط الجنين قبل نفخ الروح فيه تختلف الآراء حول إجازته ويهمنا هنا رأي المالكية، الذي يحرم الإجهاض مطلقا لأن العلقة و المضغة ابتداء خلق آدمي له حرمته ولا يحل انتهاكها، إذ يحرم استخراج النطفة من الرحيم بمجرد ثبوت الحمل ولا يحل انتهاكها، إذ يحرم استخراج النطفة من الرحم بمجرد ثبوت الحمل وإتمام التلقيح، فلا يجوز استعمال ما يفسدها سواء كان ذلك قبل الأربعين يوما أو بعدها ولو كان ذلك باتفاق الزوجين لأنه يفسد الخلية التي إذا تركت نمت وصارت ولدا مكتمل الخلية.
أما بعد نفخ الروح فيه وبدون عذر شرعي، أجمع فقهاء الشريعة الإسلامية على تجريم الاعتداء عمدا على الجنين بالإجهاض، وفي هذا الصدد نعرض رأي شيخ الأزهر- أحمد شلتوت الذي جاء فيه: "أما إسقاط الحمل فقد تكلم في حكمه فقهاؤنا وتم اتفاقهم على أن إسقاط بعد نفخ الروح فيه حرام وجريمة لا يحل لمسلم أن يفعله لأنه جناية على حي متكامل الخلق ظاهر الحياة، فإن ثبت من طريق موثوق به أن بقاءه بعد تحقق حياته هكذا يؤدي لا محالة إلى موت الأم، فإن الشريعة الإسلامية بقواعدها العامة تأمر بارتكاب أخف الضررين، فكان الإسقاط في تلك الحالة متعينا، وقرروا بأن نفخ الروح فيه، لا يكون إلا بعد مرور مائة وعشرون يوما استنادا في ذلك إلى حديث ابن مسعود، قال: "حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" وهو الصادق المصدوق أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعد «.
وأحسن مثال على حق الجنين في الحياة، »وهذه امرأة أعرابية تعرف بالغامدية، تزني ويضطرب في أحشائها جنين من الزنا، فيأتي عليها ضميرها المؤمن وقد ارتكبت الفاحشة سرا إلا أن تتطهر منها جهرا، وجاءت رسول الله تقول له: إني قد زنيت فطهرني... فيردها الرسول... فتأتي في الغد فتقول: يا رسول الله لم تردني؟ لعلك إن تردني كما رددت ماعزا... والله إني لحبلي... فيقول لها: أما لا ... فاذهبي حتى تلدي" «. »وقد نقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم لمن ذهب إلى القول بتنفيذ العقوبة على الحامل بقوله" إن كان لك عليها سبيل فلا لك سبيل على ما في بطنها".
وبهذا يتبين لنا حرمة إسقاط الجنين وأنه لا ولاية لأحد في إسقاطه- أبا أو أما أو غيرهما- لان حق الحياة للجنين ملك لسائح بهذه الحياة، وليس ملكا لمن هو مملوك مثله، ملك للموحد له، وليس ملكا لغيره مطلقا إلا بعذر" «. وإلى هذا المعنى يسر قوله تعالى" وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور".
ونصل أخيرا إلى أن »قتل نفس بدون شك أي دون أن يكون هناك قصاص لقتل، أو دفع لفساد في الأرض يعد قتلا للناس أجمعين فهي جريمة لا ترتكب في حق واحد بل في حق الناس جميعا ، ومن أحيا هذه النفس بالدفاع عنها أو إنقاذها يكون قد أحيا الناس جميعا «. وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى: "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".
وعلى هذا الأساس يجب على الجميع الحفاظ على حق الحياة فهو حق الجميع في إطار التآخي والتكفل والتضامن مادام الناس سواسية كأسنان المشط.
الفقرة الثانية: الحق في الصحة السليمة
»يعد هذا الحق من الحقوق الاجتماعية الأساسية فمن حق الإنسان أن يتمتع بأفضل مستوى صحي وأن صحة الطفل هي الركيزة الأساسية الأولى لمجتمع سليم لذا يحق لكل طفل الحصول على فرصة للنمو السليم حيث أن 90 % من النمو الجسدي والعقلي للإنسان يتم في السنوات الأولى من العمر «. فللطفل الحق على أبوابه في توفير الرعاية الصحية النفسية والبدنية باعتبارها من لوازم بقائه ونمائه، وذلك طبقا لما نصت عليه المادة 54 من مدونة الأسرة في فقرتها الأولى والخامسة والسادسة.
وهذا ما نصت عليه في فقرتها الأولى، »حماية حياتهم وصحتهم منذ الحمل إلى حين بلوغ سن الرشد" مما يفيد على أن الطفل يحظى بحقه في الصحة السليمة منذ وجوده جنينا في بطن أمه إلى حين بلوغه سن الرشد كما أكدت على ذلك في الفقرة السادسة منها التي تنص فيها على: "اتخاذ كل التدابير الممكنة للنمو الطبيعي للأطفال بالحفاظ على سلامتهم الجسدية والنفسية والعناية بصحتهم وقاية وعلاجا".
أما بالنسبة للفقرة السادسة فقد نصت فيها على: "...اجتناب العنف المفضي إلى الإضرار الجسدي والمعنوي، والحرص على الوقاية من كل استغلال يضر بمصالح الطفل «، هذا العنف الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى الإضرار الجسدي والمعنوي على حد سواء.
كما يمكن الإشارة إلى أن المتخصصون في علم النفس وعلم الاجتماع يأكدون على أن الخلافات الزوجية تنعكس سلبا على نفسية الأطفال وسلوكهم، ومن ذلك ما قاله بعض الباحثين في هذا المجال من أن الأطفال الذين ينشأون في أجواء منزلية تعصف بها المشاكل خاصة تلك التي تكون بين الوالدين سيعانون من اضطرابات نفسية وسلوكية وتعليمية واجتماعية، وأن الشجار بين الزوجين أمام الطفل أو المراهق يؤثر سلبا على الأمان العاطفي لديهم مما يجعل من الصعب التفاعل مع العالم الخارجي من حوله.